عناصر اللغة:
اللغة هي أحد عناصر الاتصال، ولكن وجود اللغة وحدها لا يعني بالضرورة حدوث اتصال. نحن - حتما - لا نستطيع الاتصال لفظيا إلا بواسطة اللغة، ومستخدم اللغة يثبت فشله إذا لم يتمكن من إيصال المعاني. لكي نقول: "نعم " بإمكاننا هز رؤوسنا دون أن نتحدث أو أن نلفظ الكلمة أو أن نكتبها. ومن الممكن كذلك أن نقول كلمة "نعم" في بلد لا يتحدث العربية، فلا يحدث أي نوع من الاتصال.
وتختلف كتابة اللغة عن التحدّث بها. فحين يتحدث شخصان مثلا فإنهما يتحدثان بعفوية ويتبادلان معلومات معيّنة، ويكونان انطباعات ويتجاوبان مع حديث أحدهما مع الآخر. واعتمادا على ردود فعل كلّ منهما، يستطيعان أن يشرحا، وأن يسرّعا الكلام أو يبطئاه، وأن يعملا اللازم، لتأكيد الفهم.
ونستطيع في الحديث تغيير كلماتنا بناءً على التغذية الرجعة التي نتلقاها من الآخر، أما في الكتابة فلا نستطيع ذلك. وفي الكتابة نحن نقدّر الجمهور، ونكتب بحسب تقديرنا التصوري للقاريء. ونحن ككتّاب لنا حسنة واحدة، تميزنا عن المتحدثين، وهي ميزة الوقت الذي نستطيع من خلاله التعديل والتغيير والمراجعة لكل ما كتبناه، كما نستطيع المحو. وكقراء أيضا لنا هذه الميزة عن السامعين فنستطيع إعادة ما قرأناه، للاستيضاح (Hybels & Weaver, 1997). وفي هذا الفصل سيكون تركيزنا على الحديث (المشافهة).
اللغة عبارة عن رموز نستخدمها لنتمكن من إيصال أفكارنا ومشاعرنا للآخرين. والاتصال يشمل تبادل المعاني. فنحن نستخدم اللغة لنصنع الكلام، لنبلور شخصياتنا ولنتبادل آراءنا وأفكارنا مع الآخرين. والكلام هو ما نفعله كل يوم، أما الاتصال فهو العملية التي نشارك بها الآخرين لنعطي معنى لكل شيء، والهدف من هذه العملية هو ربط اللغة بالحديث، لإنتاج اتصال فعال لنقل المعنى المراد.
ومن الممكن التعرف على اللغة كوسيلة اتصال بدراسة بعض عناصرها الرئيسة: الأصوات والقواعد والكلمات والمعاني. (Sieler & Beall, 2005).
( 1 ) الأصوات:
يتعلم الإنسان التحدث قبل أن يعلم الكتابة، فهو مخلوق مزود بأجهزة طبيعية في المخ لتعلم الأصوات. وأوضح فرق بين الكتابة والحديث هو أن الأولى مرئية والثاني مسموع. وكما نتعلم الكتابة بخطوط مختلفة، فإننا كذلك لا نتعلم إصدار الأصوات بالطريقة نفسِها. ومع أننا نستخدم اللغة نفسَها، إلا أننا نتحدث بطرق مختلفة، خصوصا إذا كنا من مناطق جغرافية وثقافية مختلفة. أحيانا الأصوات نفسها، التي نصدرها، تعني أشياء مختلفة لمتحدثي اللغة نفسها، ففي عالمنا العربي الشاسع الأرجاء تتعدد اللهجات بتعدد المناطق. وهذا التعدد قد يخلق نوعاً من التشويش في الاتصال بسبب اختلاف الأصوات، فمثلا، كلمة "ماشي" باللهجة المصرية تعني القبول، بينما الكلمة ذاتها تعني الرفض باللهجة اليمنية. أعرف امرأة مصرية -رحمها الله- تزوجت رجلاً يمنياً، وكانت إذا زارت إخوتها في القاهرة، يسألونها إن كانت تود الخروج معهم، فتقول: "ماشي". ويبقى الجميع في انتظارها، حتى تسألهم عن سبب عدم ذهابهم فيخبرونها بأنهم في انتظار ذهابها معهم. وفي كل مرة تضطر لشرح معنى كلمة "ماشي" التي قصدت بها "لا" بينما اعتقدوا هم بأنها تقصد "حسنا"! .
إن كلمات مثل “أيوه" و"إيوه" و"أيه" و"إيه" و"آه" لها المعنى نفسه الذي لكلمة "نعم" باختلاف اللهجات في المناطق المختلفة. علينا أن نتعرف على هذه الاختلافات كي يفهم بعضنا بعضاً، ولكي لا يحدث سوء فهم بين أطراف الاتصال.
( 2 ) القواعد:
اللغة لها قوانين تحكم كيفية ارتباط الأصوات لتصبح كلمات، ولها أيضا قوانين تحكم كيفية ربط الكلمات لتنتج جملة أو عبارة. فمثلا في اللغة العربيـة الفعل يتبع الفاعل ويطابقه تذكيراً وتأنيثاً كـ ( تحدثت فاطمة، واستمع حسن ). نربط الأصوات لننتج كلمات ونربط الكلمات لننتج عباراتٍ وجملاً وفقرات وبعملنا هذا نستخدم الأصوات والقواعد في الوقت نفسه. فالقدرة على استخدام الأصوات والقواعد بشكل صحيح مهمة جدا للاتصال الجيد. القواعد تمكننا من إنتاج جمل كاملة كما تمكننا من فهم جمل الآخرين.
ونحن نبدأ في تعلم قواعد اللغة، التي تمكننا من الاتصال في السنة الأولى من وجودنا. وهناك قواعد تنظيمية لوقت ما، ومكان ما، وكيفية ما، ومع من يكون الاتصال في موضوعات معينة. ففي النقاشات الرسمية نحن - عادة - لا نقاطع المتحدث، ولا نبدأ بالحديث إلا إذا أعطانا المتحدث إشارة بالانتهاء من حديثه (بالصمت أو بابتسامة أو بسؤال). أما في الحوارات غير الرسمية فإننا غالبا ما نقاطع المتحدث، وتكون المقاطعة لائقة أحيانا.
القواعد التنظيمية
و هي تحكم متى وأين ومع من وفي أيّ موقف من المواقف يجب أن نظهر عواطفنا أو نخفيها، أو نظهر احترامنا، أو نتحدث في موضوعات خاصة. ففي العمل من الممكن أن يقاطع الرئيس المرؤوس، ولكن المرؤوس لا يستطيع مقاطعة من هو أعلى منه درجة. هذه القواعد قد تختلف من ثقافة إلى أخرى، ومن مجموعة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر، كما سنرى لاحقا. ففي بعض الثقافات يعتبر تقبيل الغرباء على الوجنتين مستهجن، وفي بعضها الآخر التقبيل تحية متوقعة.
نعرف معنى الاتصال بتوقعنا لنوع معين من الاتصال، كما نعرف أن الإصغاء للحديث يعد احتراما، وأن الاحتضان عند السلام يعد عاطفة، وأن التجاهل يعد وقاحة. كذلك نعرف أيّ نوع من الاتصال نتوقعه من الآخرين، فنتوقع التعاطف من الصديق، والثقة من زميل المهنة، والاحترام من الشريك. هذه تسمى بالقواعد الإنشائية، ونتعلمها من أشخاص محددين، ومن مجموعة معينة، ومن المجتمع ككل.
تفاعلاتنا اليومية محكومة بقواعد، نعرف منها متى نتحدث، وماذا نقول، وكيف نفسر اتصالات الآخرين. فالاتصالات الاجتماعية محكومة بقواعد، يبدو أنها تعم المجتمع ككل ولكن اتصالاتنا الشخصية تتبع قواعد قد لا تعم الثقافة ككل. فشركاء العمل مثلا يتناقشون حول القواعد الخاصة باتصالاتهم، وكيف تتم هذه الاتصالات، والأزواج ينشئون قواعد شخصية لكيفية النقاش واتخاذ القرارات، وكيفية قضاء الوقت معاً.
في معظم الوقت، نعرف أين وكيف ومتى نتصل بالآخرين بالطريقة الصحيحة. إذا تعاملنا مع أستاذ للمرة الأولى ، نتعلم - مع الوقت - كيفية تحقيق الاتصال الناجح معه ؛ فنستبق الاتصال بأسئلة نحاور بها أنفسنا ، من مثل : هل يقبل الأستاذ النقاش؟ هل التكاليف المطلوبة تقوم على الأفراد أم على الجماعات ؟ هل هناك علاقات اجتماعية خارج حجرة الصف ؟ بعض القواعد لا ننتبه لها إلا إذا كسرناها ، عندها فقط نعرف أنه كان متوقعاً منا ما لم نفعله. فمثلا، لو أعطينا درجة متدنية على تكليف اعتمدنا فيه على قراءة الكتاب فقط، لعرفنا أن الأستاذ كان متوقعاً منا أمراً مختلفاً. ومعرفتنا بهذه القواعد تعطينا القدرة على إصلاح غير المجدي منها.
كما ذكرنا آنفاً، فإن أحد الفروق بين الكتابة واللغة المنطوقة هو أن الكتابة تُرى بالعين، واللغة المنطوقة مصحوبة بالصوت. وإذا اعتقدنا بأن علامات الترقيم تخصّ الكتابة فقط نكون مخطئين، فعلامات الترقيم موجودة أيضا في ألفاظنا. نحن نستخدم هذه العلامات لإظهار وتفصيل المعنى.
فنستخدم الفاصلة للوقف القصير، ونستخدم ما يوازي النقطة في النطق إذا انتهينا من فكرة، ودخلنا في فكرة أخرى. يجب أن نعرف حدود الاتصال، لنعرف من بدأ بالتفاعل. حينما لا نتفق على علامات الترقيم اللفظي قد تحدث مشاكل في الاتصال. حين نرى أطفالاً يتجادلون حول من بدأ بالمشكلة نعرف أهمية الترقيم (Wood, 1997).
وبالرغم من كل القوانين التي تحكم اللغة، لا يوجد حد للرسائل التي يمكن أن تبتكر باستخدام هذه القواعد. ومن الممكن القول بأن عدد الرسائل والجمل للغة لا نهائي.
الكلمات:
كما أن الخريطة ليست هي الموقع ، فالكلمات ليست هي الأشياء ( Scott & Brydon, 1997) . وقد ذكرنا سابقا أن اللغة عبارة عن مجموعة من الرموز الصوتية... تلك الرموز هي التي تكوّن الكلمات لتحل محل الأشياء. ومن الممكن أن تمثل الكلمة شيئاً محسوساً مثل “كرسي"، ومن الممكن أيضاً أن تمثل شيئاً تجريدياً مثل "السعادة". فكلمة كرسي تمثل قطعة معينة من الأثاث، بينما كلمة سعادة تمثل عاطفة مرتبطة بمشاعر مختلفة الدرجات، نشعر بها في أوقات معينة. فالكلمات لها معنى، لأن الثقافات التي أنتجتها أعطتها ذلك المعنى. فمجموعة معينة من الأصوات تعني أشياء معينة. وبعض الكلمات لا يمكن أن تفهم باستخدامها العادي ما لم يكن الشخص منغمساً في الثقافة التي ارتبطت بها. ولكي يحدث الفهم يجب أن يتفق جميع أفراد الحدث الاتصالي على المعنى. فمثلا سمعت بطرفة فيها شيء من الواقعية عن رجل مصري ، يسأل عمّا سيقوله ليعزي أحد أصدقائه من نجد ، في وفاة أحد أقربائه، فقيل له : لتعزي في نجد من الممكن أن تقول: "أحسن الله عزائكم". وعند سلام الرجل على صديقه قال له: "أحسن عزاء عزاؤكم"!
قدرتنا على استخدام الرموز تجعلنا نعيش في عالم من الأفكار والمعاني، وبدلا من أن نتأثر بمحيطنا الجامد فقط فإننا نغير الجماد أحيانا ونبدله. ذكرتWood (1997) خمسة أنواع من القدرات الرمزية ، التي تؤثر في اتصالنا ، وهي: التعريف والتقييم والتنظيم والتعميم والافتراض. ومن خلال مناقشتنا لهذه الأنواع قد نتعرف على القوة البناءة للرموز، ونحاول التخفيف من المشاكل التي قد تسببها.
التعريف:
نحن نستخدم الرمز لتعرِّف عن بشر، أو خبرات أو علاقات أو مشاعر أو أفكار. فالتعريفات التي نعطيها للأشياء تشكل ما تعنيه هذه الأشياء لنا، فنحن حينما نصف فتاة ما، فإننا نركز على بعض الصفات العامة فيها، ونغفل عن صفات خاصة تميزها عن الأخريات، فقد نصف فتاة ما على أنها مهتمة بشؤون البيئة، أو معلمة، أ وطباخة، أو أم... الخ. فكل طريقة تصنيف تجعلنا نرى زاوية واحدة فقط من الموصوفة لا كل صفاتها، فنناقش المهتمة بشؤون البيئة في إعادة تدوير الورق، ونتبادل وصفات الطعام مع الطباخة، ونتحدث مع الأم عن الأطفال، والمعلمة عن الامتحانات.
وفي بعض الأحيان نجعل صفة واحدة تطغى على الشخص وننسى باقي الصفات. فنركز على صفة واحدة في شخصيته ونجعلها كل الشخصية، أو نركز على خبرة واحدة، ونقارن بها كل الخبرات. فالرجل الخارج من تجربة طلاق - مثلا - قد يركز على كل سلبيات الزواج وأخطائه، ويمحو كل نقاط القوة التي كانت موجودة في الزواج. ولو ركزنا على النقاط الجيدة في العلاقات، لكنا على وعي أكبر بالصفات الحميدة لعلاقاتنا، ولما تأثرنا كثيرا بالسلبيات.
من المفترض ألا نغفل عن أية صفة، وأن لا نجعل صفة تطغى على أخرى في أي أمر من الأمور. فالرموز ليست محايدة بل هي محملة بالقيم. ونادرا ما نجد كلمة محايدة أو موضوعية. فنحن نصف من نحب بلغة تظهر صفاتهم الحميدة، وتقلل من شأن أخطائهم، ونفعل العكس تماما مع من لا نحب.

التقييم:
هناك درجات للتقييم في اللغة، فقد نصف أولئك الذين يعبرون عن أفكارهم بشكل واضح بأنهم حازمون أو منطلقون أو شجعان أو مغامرون. وفي السنوات الأخيرة بدأنا نتنبه إلى أن الرموز تضر بالبشر، فمثلا أغلب ذوي الإعاقات لا يحبون أن يوصفوا بذوي الإعاقة، ويفضلون عبارة "ذوي الاحتياجات الخاصة" أكثر وبانتباهنا للضرر الذي قد يسببه تعريفنا للبعض نتعلم كيف نحترم الآخرين بوصف شخصياتهم، فلا ننعت كبار السن بالعجائز، ولا نسمي من وُلِد بـ (متلازمة داون) بـ ( المنغولي).
ونحن نعتمد على إدراكنا لنقيِّم الخبرات، وكيفية تنظيمنا للخبرات تؤثر على ما تعنيه هذه الخبرات لنا، فمثلا، إذا نقلنا شخصاً ما، من رتبة زميل إلى رتبة صديق، فإن نظرتنا للاتصال مع هذا الشخص تختلف. إهانة من صديق قد تعني مزاحاً بالنسبة لنا، ولكن لو قيلت لنا العبارة نفسها من شخص نكن له العداء، لكانت مدعاة للمشاكل. من الممكن أن ننعت إحدى صديقاتنا بالخبث مثلا فتضحك، ولكن لو نعتنا أخرى، ليست من الصديقات، بالصفة ذاتها، فلن تكون العواقب حميدة. الكلمة هي ذاتها، ولكن معناها اختلف باختلاف مكانة قائلها.
التنظيم والتعميم
هذه الصفة التنظيمية للرموز تعطينا المجال للتفكير في المفاهيم المجردة، مثل أخلاقيات العمل والمواطنة والحياة الصحية، وتجعلنا نفكر بصورة عامة. ولأننا نستطيع التجريد فنحن أحيانا نشوه التفكير بالتعميم. أحيانا نحكم على فئة معينة بالبخل أو بالكذب ، من خلال حكمنا على أحد أفرادها ، ونقول – كذلك - بأن كل الأطباء أذكياء ، أو أن كل من فشل في الامتحان غبي ، أو أن أي نوع من الاختلاف سيء. من الممكن أن يكون التعميم سيئاً، ومن الممكن أن يكون جيداً. بالتعميم نأخذ صفة واحدة ونعممها على الجميع اعتمادا على معلومة عامة أو نظرة عامة لفئة من البشر. وفي الوقت الحالي، ينظر العالم الغربي للعرب على أنهم جميعهم إرهابيون. هذه التعميمات قد تعمينا عن اختلافات مهمة بين الأشياء التي نضعها في خانة واحدة. لذا، فإن لدينا مسؤولية أخلاقية بالانتباه للتعميمات، والتحقيق في الأشياء التي نعدها متطابقة.
الافتراض:
الرموز تمكننا من الافتراض. ما الذي نفكر في عمله بعد عشر سنوات من الآن؟ من كان أول صديق حقيقي لنا؟ ما الذي سنفعله بعد التخرج؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، يجب أن تكون لدينا فرضيات، مما يعني أننا سنفكر في أشياء ليست في محيطنا الحالي. ولأننا نفترض فإننا نخطط ونحلم ونتذكر ونتخيل، ونضع أهدافاً، ونفاضل بين خياراتنا. وحينما نفترض نعطي أفكارنا أسماء، لنحتفظ بها في مخيلتنا، ونتفاعل معها، فنختلق أشياء غير موجودة على أرض الواقع، ونتذكر أنفسنا في الماضي، ونتخيل المستقبل.
إن قدرتنا على العيش في ثلاثة أبعاد من الوقت، تفسر لماذا نضع أهدافاً، ونعمل من أجلها، رغم أنه قد لا يوجد لها أساس حقيقي أو ملموس في الواقع. استهلكنا الكثير من الوقت والجهد في الدراسة لأن لدينا شهادة في مخيلتنا نسعى للحصول عليها، بالرغم من أن الشهادة نفسها غير ملموسة، ولا أنفسنا التي ستأخذ الشهادة موجودة الآن، إلا أن الفكرة نفسها كافية لدفعنا للعمل بجد لسنوات عدة.
وعلاقاتنا بالآخرين تعتمد على أفكار ماضية ومستقبلية. إحدى أهم نقاط القوة للعلاقات الحميمة هي التاريخ المشترك لخبرات ماضية. فمعرفة أننا مررنا بالمحن نفسها في الماضي يساعدنا كأصدقاء على اجتياز المحن الجديدة. وإيماننا بالمستقبل أيضا يعزز علاقاتنا بالآخرين، لأنه يفترض عمراً مديداً أمامنا لهذه العلاقات.
ونحن نستخدم الرموز كذلك لتصور أنفسنا. نفكر بوجودنا ونميز تصرفاتنا ونعقِّب عليها. تصورنا عن ذاتنا هو أحد أسس شخصياتنا. توجد واجهتان للنفس. فهناك الأنا العفوية المبدعة ، التي تندفع بتهور كردة فعل للحاجات والرغبات الداخلية ، بدون اعتبار للحياة الاجتماعية، وهناك الأنا الواعية بالمجتمع، التي تراقب وتتحكم بالأنا العفوية. فالأنا المتحكمة تنظر للأنا العفوية بعيون الآخرين. الأولى جاهلة أو مغيبة عن الأعراف والتقاليد الاجتماعية، أما الثانية فعارفة بها تماما. الأولى قد ترغب بإهانة زميل في العمل، كردة فعل لانتقاده لها، أما الثانية فتتحكم بهذه الرغبة، وتذكرنا بأن إهانة الزميل قد تسبب لنا مشاكل في المستقبل.
الأنا الثانية هي التي تراجع الذات وهي التي تقيم الأنا الأولى، وبالتالي، نستطيع التحكم في تصرفاتنا وتقييمها، مما يعني أننا نتحكم بتخيلنا لما نريد أن نكون عليه في المستقبل ، ونرسم الأهداف للوصول إلى النفس التي نطمح. قد نشعر بالفخر أو بالخجل أو بالندم من تصرفاتنا لأننا نراجع أنفسنا. ونستطيع كذلك التحكم بأنفسنا في الحاضر، بنقل أنفسنا خطوات في المستقبل، لنتصور ما الذي قد يحدث نتيجة لتصرفاتنا، وبناءً على هذا التصور نفعل الشيء، أو نعدل عنه.
ملاحظتنا لأنفسنا وتقييم ما نفعله تساعدنا كثيرا في الاتصال بالآخرين. فلو أردنا التحدث مع مجموعة من الناس، من المهم أن نبدأ بتقييم جمهورنا، ونعرف مدى تفاعلهم معنا، فنستخدم كلاماً يتلاءم مع وضع هذا الجمهور. مراجعتنا لأنفسنا تسمح لنا بمراقبة اتصالاتنا وتعديلها، لزيادة التأثير، وكذلك تسمح لنا بتعديل شخصياتنا التي نواجه بها الآخرين. ولأننا نراجع أنفسنا ونقيمها من وجهة نظر اجتماعية، نستطيع أن نحكم على أنفسنا من نظرة الآخر، فنتصور تفكير الآخر بنا.
عند الحديث مع أساتذتنا نظهر أنفسنا كشخصيات حاضرة وجدية وتحترم الآخرين. وعند الاتصال بالأصدقاء قد لا نتحدث في نفس المواضيع ، التي نتحدث بها عند الاتصال بالوالدين، بل وقد نخفي بعض تلك المواضيع. في العمل نظهر بأننا متحملون للمسؤولية، وحيويون، وبالإمكان الاعتماد علينا. وكثيرا ما نظهر شخصياتنا بأشكال مختلفة لتلائم َ البيئة التي نتواجد فيها.
إذاً، نحن نستخدم الرموز لتعريف وتقييم وتنظيم الخبرات وللافتراض ولمراجعة النفس. وكل من هذه القدرات تساعدنا على بناء معان لحياتنا الشخصية والاجتماعية والعملية.
المعنى:
) قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم ( ]سورة الحجرات، آية 14[. لأن الكلمات تنقل المعاني بين البشر، وبين الأجيال المتعاقبة، فإن اللغة أداة مفيدة للاتصال. ولكن هل الكلمات تحمل معنى؟ لو كانت الكلمات لا تحمل معنى ، فإنها لا تؤدي أي غرض. من عادة البشر ربط الرموز (الكلمات) بمعان محددة، والاعتقاد بأن العلاقة بين الكلمة ومعناها حتمية. ولكن يجب أن نفهم جيدا أن اللغة بذاتها لا معنى لها. ففي الحقيقة كلمة ( كلب ) هي كلمة اعتباطية تمثل حيواناً يمشي على أربع وله ذيل. لا يوجد ما يربط الأحرف كاف ولام وباء بالحيوان. ولكننا حين نسمع الرمز، نعطيه معنى.
الكلمات رموز تمثل بشراً وجماداتٍ ومفاهيمَ وأحداثاً ، ولكنها ليست هي ذاتها البشر والجمادات والمفاهيم والأحداث ، ومع ذلك فنحن نخلط بين الرمز ومعناه. لو حدث أن صرخ أحدنا: "عقرب" في وجود من لا يحب العقارب، وراقبنا ردة الفعل، للاحظنا أن الكلمة كأنها هي الحشرة الحقيقية. الحقيقة - ببساطة - هي أن الكلمات بذاتها لا تحمل معنى ولكنها تستقي المعنى من خلال السياق الذي استخدمت فيه، وأن من استخدمها هو الذي أعطاها هذا المعنى أو ذاك.
منقول

للمزيد من مواضيعي